Tuesday 29 July 2008

هل نستطيع تبرير الالحاد ؟

عرفت البشرية على مر التاريخ عدة صور ونماذج من "الخروج عن الدين " وعدم الاعتراف بوجود الله ، وهناك تصنيفات عديدة لصور التراجع هذه منها ما يسمى بالالحاد البارد ( الانكار التام لوجود أي إله ) ، والإلحاد القلق ( والذي يكون صاحبه في حالة قلق وتمزق داخلي بسبب عدم وثوقه بموقفه ) أو انكار ألوهية الشرائع ونبوة الرسل على الرغم من اعترافهم بوجود خالق للكون .. وغيرها من صور الخروج عن الدين .
والالحاد الحقيقي يمثل موقف فلسفي معقد ويقوم على تبريرات عقلية تتطلب إلماماً واسعاً بمفاهيم نظرية الوجود ( الميتافيزيقا ) ونظرية المعرفة ( الابستمولوجيا ) وكذلك موقف أخلاقي يمكن أن يتخذه الملحد لتبرير حياته بعد انكاره لكل القيم الأخلاقية التي تعتبر الأديان أهم مصادرها .. إذ كيف سيبرر الملحد بعد إنكاره للدين بكل ما فيه من قيم وأوامر ونواهي وضوابط شرعية تحدد سلوك الأفراد والجماعات ، سلوكه كفرد تجاه نفسه وتجاه الآخرين ؟! أي قيم سيعتمد وما هي مصادر تلك القيم ؟؟! فإذا كان سيرفض الكذب وهو ملحد كيف سيبرر هذا الرفض ؟ غالبا ما يتخذ الملحدون بنظرية الأخلاق البراجماتية ( العملية ) كما نادى بها الفلاسفة الأميركيون الكلاسيكيون .. وهي نظرية لاقت العديد من الردود القاسية التي أثبتت أنها لا تصلح كقيم إنسانية حقيقية . فهي ببساطة تقوم على اعتبار نتائج الأفعال مقياساً لاعتبارها صحيحة أم خاطئة
وعلى الرغم من أن الالحاد البارد قد انتشر في الدول الأوروبية بعد الحرب العالمية الأولى والثانية ، خاصة بين صفوف الشباب ، وذلك بتأثير من كتابات شوبنهور ونيتشة وهيدجر وسارتر وكامو وغيرهم من الفلاسفة - الوجوديين بشكل خاص - والتي كانت تتسم بالنظرة التشاؤمية حد اليأس والاحباط وكراهية الحياة .. ولذلك ليس من المصادفة أن تشهد أوروبا في تلك الفترة أعلى معدلات الانتحار بين صفوف الشباب !!!ه
غير أن موجة الالحاد هذه لم تلبث أن تراجعت كثيراً بعد ذلك .. خاصة في السبعينات والثمانينات .. إلا أن الالحاد القلق والذي لا يقول بإنكار وجود الخالق ولا حتى ألوهية الدين .. وإنما فقط عدم الاكتراث بما قد يحدث بعد الموت ليس أكثر .. والسبب بسيط لأن أصحاب هذا الاتجاه لا يملكون أدلة عقلية تمكنهم من تبرير ذلك الانكار .. فكانت " اللادينية " هي الحالة الأنسب لكثير منهم خاصة وأنهم يعيشون في بلدان علمانية تمثل بيئة جيدة لاتخاذ مثل هذا الموقف السلبي تجاه المعنى الحقيقي " للحياة " .
هذا بالنسبة للغرب .. وعندما نأتي للدول الإسلامية والعربية منها على وجه الخصوص ، نلاحظ أن الأمر لا يختلف كثيراً عن باقي الظواهر السلبية التي وجدت رواجاً كبيراً بين صفوف الشباب والمراهقين .. ظاهرة جديدة كغيرها من الظواهر .. وتقليد آخر على غرار التقليد السطحي للبس والحركات وحتى قصات الشعر :)ه
فلا يوجد موقف فلسفي حقيقي عند هؤلاء " المساكين " ولا حتى منطق فكري معقول .. هكذا مجرد سخط على أوضاع لم يفهموها ، وترديد لشعارات ومقولات فلسفية هي أكبر بكثير من أن تحتويها عقولهم الصغيرة .. ولذلك ليس من الغريب أن لا تجد لديهم سوى السباب والشتم والاستهزاء بكل ما هو مقدس .. ليس من منطلق موقف فكري واضح الملامح ، إذ ما الذي يقدمه التطاول على ذات الله عز وجل والسخرية من الأنبياء ، ما هو الفكر الذي يتضمنه مثل هذا التطاول والبذاءة ؟!! لا شيء على الاطلاق ...ه
هناك عامل مشترك ربما يجمع معظم هؤلاء " المساكين " ( وأنا أسميهم مساكين لأنهم فعلا كذلك ، يمارسون لعبة عقلية هي أكبر بكثير من إدراكهم وأخطر بكثير مما يعتقدون ) وهو أنهم في الغالب من اللواطيين والسحاقيات ومدمني الخمر والحشيش .. وهي أمراض نفسية تجعلهم يعيشون صراع داخلي مؤلم وتمزق وحالة من اضطراب التفكير ، وتجعلهم ساخطين ناقمين على مجتمعاتهم وكارهين لكل ما يمثل أصولا وثوابت في هذه المجتمعات .. والسبب بسيط يكمن في شعورهم بالنقص والنبذ وعدم القبول من هذا المجتمع .. ولأن المجتمع " كيان رمزي " لا وجود له في الواقع ، وإنما هو مجرد " مجموعة من الأفرد " وجدوا ضالتهم في احتقار هذا المجتمع من خلال احتقار مقدساته .. فهي في النهاية مصدر تحريم ومنع ما يعتقدون بأنه " حرية شخصية " في ممارسة اللواط والسحاق وتغييب العقل والوعي !!!ه
الالحاد باختصار " موقف " لا يمكن تبريره بالعقل والمنطق السليم .. ولا حتى باستخدام نظرية التطور عند دارون التي مضى عليها قرنان من الزمان دون أية ملامح عقلية وفكرية واضحة يمكن أن تقنع حتى البسطاء ..
فالالحاد يعني " إنكار وجود" .. وهو موقف يحمل تناقض داخلي منطقي كما يسمى في الميتافيزيقا باسم " القضية الوجودية السالبة " .. أي أن تقول هذا الشي ( الذي لديك عنه تصور ما ) غير موجود .. فكيف يمكن الحديث عن شيء غير موجود إذا كان غير موجوداً أصلاً ؟!!! هذا هو التناقض الداخلي لفكرة الالحاد والشك ..
ورد وود للجميع

4 comments:

تراب الكويت said...

اخي الكريم

انا لست ملمة بالعلوم كافة
ولست على دراية تامة بكل ما يحصل

لكن ابسط مثال يمكن ان اطرحه هنا
الموت

هم ينكرون على الله سبحانه
أن يخلق انسانا ثم يصيبه المرض فيموت

ويدعون أنه ليس في ذلك رحمة

فلنقف قليلا

تصور
أن يترك الله سبحانه الناس تموت هكذا فجأة دون تبرير ودون مسببات
هل سيستوعب عقل الانسان ذلك
اذا لا بد من وجود مسببات تساعد العقل البشري للوصول ولو للقليل من الاستيعاب
وهذه من مظاهر رحمة الله سبحانه

لكي يدرك الانسان بعض ما يحصل
تماما كما يحدث في الكون
من مجرات وما شابه

نقطة اخرى

تصور لو أن الله سبحانه لم يجعل الموت نهاية للحياة

ماذا يمكن أن يحدث؟؟

تصور لو أن كل حياة قامت على هذه الارض ما زالت قائمة

تصور كيف هي الحياة الآن؟؟

أنا يا اخي سبق وقلت
أني املك اليسير مما يجعلني ابصم أني فخورة كوني مسلمة
واحمد الله سبحانه أني لم اخلق في عائلة بعيدة عن الاسلام

امور كثيرة تدور برأسي قد لا املك الاسلوب والحجة لايصالها

لكني في ضميري اعرف انها موجوده
واعلم كيف اعالجها من خلال تفكيري لكي استمر

دعني اشكرك الآن وتأكد أني ساعود ان شاء الله

لك دعواتي

bodalal said...

ألف شكر وتقدير لمرورك العاطر أختي الكريمة
وألف شكر على تعليقك الجميل
وأسأل الله أن يحفظك من كل شر .. ويديم علينا جميعا نعمة الإسلام

ملاحظتك في محلها يا أختي .. فليس هناك موقف فكري واضح ومبررات عقلية مبنية على أسس صحيحة لمواقفهم السلبية تجاه الحياة كما نراها في عالم الانترنت مع الأسف

وإنما هي صرخة ألم بسبب الفراغ الروحي والفكري .. إنها حالة عدم فهم وسخط على الواقع ليست أكثر

ولكنني والله أشفق عليهم .. فالمشكلة أنهم يبدأون فيها كلعبة عقلية يتسلون فيها .. ولكنها تصبح جزء من كيانهم حتى تطحنهم في عالم من الوساوس والفراغ والقلق والحيرة ..

لا تتصوري أبدأ أنهم مرتاحون .. فوالله ما حديثهم بحديث شخص مرتاح الضمير

أشفق عليهم من ملك الموت يخطفهم وهم في هذا العناد والكفر

اللهم نسألك حسن الخاتمة

ورد وود للجميع

Anonymous said...

اخي الكريم

عندما قرأت كتاباتك عصفت بي دوامة الماضي الجميل في الجامعة وداعب افكاري قصيدة لي بالماضي اسمها ملعون انت ؟؟
تقول

ذهبت الى امي فلعنتني وقالت بريئة منك احشائي
تمنيت الموت والفناء ولكن خفت بأن لايحب الرب ان يلقاني
تركت العالم وطرقت باب زحل فاعرض عني ولم يليلم اشلائي
قصدت الشمس فحين رأتني اطفأت نورها وقالت ملعون انت وليس بأمكاني

-- طبعا ولها بقية ولكن احببت ان اشركك لحظة قراأتي لكتاباتك وشكرا لك لأنك تركت لنا المجال لقرائتهاوانا كذلك معلمة فلسفة فالحكمة تجمعنا


شكرا

Mohammad Alkhaldi said...

شكرا زميلة على هذا الكلام الطيب .. مشاركة أعتز بها

وحياج الله في رحاب الفلسفة :)